بقلم !!!

برقيات عندما انقطعت الكهرباء

برقيات
عندما انقطعت الكهرباء
جيهان عبد الرحمن
فور انقطاع الكهرباء أنتبه الجميع أنهم في منزل واحد, تحيطهم الجدران ذاتها ولكن لكل منهم عالم افتراضي خاص به, عشر دقائق مضت كانت كافية لتسرب الملل لكل منهم, واكتشفوا كم الفراغ الذي يعبث بكيانهم, فلا شيء يستطيعون فعله, وبغير قرار مسبق, خرجوا من جحور أنفسهم ليجتمعوا علي الضوء الخافت, وكأنهم يتعرفون علي بعضهم البعض مجددا, تجاذبوا أطراف الحديث حتي وصل جيل الآباء إلي طفولتهم, وكيف كانوا يقضون أوقاتهم في ليالي الصيف بعد انقضاء الامتحانات, وكيف كانوا يصنعون لعبتهم المفضلة بأيديهم, بل كانوا يخترعونها, بأبسط الخامات المتوفرة لديهم, مثل الكرة الشراب والعرائس القماش المحشوة بالقطن, وتصنيع نماذج لقطع الأثاث من أغطية الزجاجات وبقايا الأخشاب, إلي جانب الألعاب الجماعية أشهرها تماثيل إسكندرية, أو فرض دقائق من الصمت علي أن يقوم أحدهم بمحاولة أضحاك أقرانه والفائز هو من يصمد بلا ضحك رغم كل المحاولات, وهي اللعبة التي أقتبسها الغرب وأعاد تصديرها عبر برامج التيك توك وغيرها طلبا للتريند وتسجيل أعلي المشاهدات.
لم يقطع شريط الذكريات سوي صوت خافت لبكاء مكتوم مصدره أصغر فتيات العائلة. التي انتابها حالة من الحزن, لتفاجئ الجميع بقولها, أنا لا أملك ذكريات مثلكم, بل لا أملك طفولة من حيث الأصل, هذا البراح الذي عشتموه أنا حرمت منه, خرجت للحياة فما وجدت سوي حالة من الرعب بسبب إنفلونزا الخنازير والطيور, وغلق للمدارس و انقطاع الأنشطة وأنا في بداية عهدي بالمدرسة, ثم ثورتين تتحدثون عنهما ولا أفهمهما لكن أيضا أغلقت المدارس وما يتبعها من عودة للمنازل , ثم جائحة كورونا وما تبعها من غلق للمدارس, والأن جدري القرود ومخاوف انتشاره بين البشر, لم ألعب مثلكم ولم أتعلم كما تعلم أخوتي, وصلت للصف الثالث الابتدائي فتغير النظام وانتقلت للصف الرابع بلا امتحان, وصلت للصف السادس فتغير النظام مجددا لتتحول من شهادة إلي امتحان نقل عادي, حتي المرحلة الإعدادية كانت تحركاتي بين السناتر والدروس الخصوصية, خمسة عشر عاما هي كل عمري لم أعش فيهم لا طفولة ولا تعليم ولا ذكريات فماذا سأحكي لأبنائي حين تنقطع الكهرباء, واضطر إلي التخلي مؤقتا عن متابعة مسلسلات الإنيمي الياباني التي أعشقها ووجدت فيها ذاتي ولم أجد غيرها يشد انتباهي, أو الأفلام الكوري التي بدأت في متابعتها, أنا تعيسة وسيئة الحظ.
الصغيرة التي فقدت خمسة عشر عاما من عمرها, بلا طفولة ولا تعليم حسب قولها, لم تجد لها متعة سوي الأبطال الخارقين ممن اخترعهم الغرب في أفلام ومسلسلات يتجاوز الجزء الواحد فيها ألف حلقة, والأمر لا يخلو من تمرير أفكار تحت عنوان حرية الفكر والأبداع, قد تتناقض مع ثقافتنا وتعاليم الدين, وللأسف منها ما يؤصل للإلحاد, ومنها ما يروج للشذوذ الجنسي باعتباره حالة طبيعية المطلوب قبول ترويجها كأمر واقع مثلما حدث مع فيلم بعنوان الدكتور الغريب في الأكوان المتعددة من الجنون DOCTR STRANGE IN THE Multiverse OF MADNESS والذي يحتوي علي 20 ثانيه من الشذوذ الجنسي الواضح, ولهذا طلبت مصر والمملكة العربية السعودية والكويت وبعض الدول الأخرى حذف هذا المشهد حتي يمكن عرض الفيلم في دور العرض ولكن قوبل طلبهم بالرفض بدعوي حرية الفكر والأبداع.
جيل كامل تكالبت عليه ظروف لا دخل لهم بها, وللأسف معرض لمخاطر يعلم الله وحده مداها, يحتاج إلي رعاية خاصة من الأسرة التي تجتمع فقط عندما تنقطع الكهرباء, ومن مؤسسات الدولة المعنية مجتمعة تعليمية ودينية وثقافية واجتماعية, وتربوية, الأمر يحتاج دعم ومشورة ودراسة جادة من قبل علماء النفس والتربية والاجتماع, جيل كامل يستحق أن يكون في دائرة الاهتمام, فهل من مجيب.؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى