بقلم !!!

برقيات.. أنا أحسن واحد في الدنيا..بقلم جيهان عبد الرحمن

برقيات
أنا أحسن واحد في الدنيا
جيهان عبد الرحمن

أشكر كل الأصدقاء الذين أشاروا بمتابعة مسلسل جزيرة غمام الذي عرض
رمضان الماضي, ليس فقط لكونه مختلف وراق, ينقل الروح إلي عالم أرحب, تعلو فيه الروحانيات والتصوف وحب الله واليقين بوجوده والسمو علي الدنيا بمتاعها ومقاومة شهوات النفس وشرورها , تابعته بشغف لدرجة انتهاء من جميع حلقاته في يومين فقط, وقد نجح الكاتب عبد الرحيم كمال في نسج شخصيات العمل ببراعة شديدة, وتفوق فيها كل منهم علي نفسه, و رغم ان المسلسل في جوهره صراع بين الخير والشر, القلب السليم والقلب المريض, الشيطان المتمثل في خلدون طرح البحر الذي لا أصل له, والعارف بالله عرفات “النجار” بقلبه وفطرته التي سار فيها علي نهج معلمه, ربما إشارة إلي أحد الأنبياء, أو حتي عودة المسيح المخلص كما ذهب البعض, لكن ما توقفت عنده كثيرا ولم استطع تجاوزه, هو أسلوب عرفات في تعليم أطفال قريته مفاهيم الحب والتسامح وقبول الأخر والشغف للعلم والثقة بالنفس, في مقارنة محسوبة بذلك المعلم المتجهم دوما الناقم علي وضعه, المأزوم دوما لأسباب مادية واجتماعيه وربما لفهم خاطئ للدين, تصاحبه العصا الغليظة, يمارس عمله بالإهانة والضرب ولا يري في أبناء القرية سوي مجموعة من البهائم, حتي حين قال له ناظر المدرسة معاتبا.. لو أهدرت كرامة التلميذ ضاع العلم, فلم يكترث أو يهتم.
في حوار رائع قال المعلم متجهما للتلميذ, اقرأ يا جحش يا صغير. فيرد التلميذ في تحد وإصرار.. أنا مش جحش أنا سمير, فيستشيط المعلم غضبا فيقول.. وأنت تطول تبقي جحش علي الأقل الجحش حا نحطوا عليه علو البرسيم وحيروح البيت لوحده فهمني أنت يه لزومك في الدنيا. فيأتي الرد سريعا .. أنا أحلي حاجه في الدنيا, أنا أهم حاجه في الدنيا, أنا اغني واحد في الدنيا. فيلوح المعلم بعصاه الغليظة علي كتف الصبي وقد ضاقت نفسه الجدباء .. مين اللي فهمك الكلام ده يا حصاوي أنت . فيقول بكل ثقة …أنا كده فعلا حد حلو وجميل. فيصل المعلم إلي قمة استفزازه, ااااااايوه مين اللي علمك الكلام ده, هتتعلق في الفلقة, وانته هتتعلق من رجليك لحد ما تقر وتعترف يا ستين جحش.. ليؤكد الصغير أنا مش جحش أنا سمير أنا احسن واحد في الدنيا.
التعامل مع النفس البشرية لإخراج أجمل وأروع ما فيها لا يحتاج من وجهة نظري إلي نبي مرسل من السماء, أو متصوف زاهد في الحياة, هائم علي وجهه في حب الله, ولا داعية يرتدي أفخر الثياب ويحيا في القصور كما الأمراء ويطالبك بالقناعة والرضا, الأمر يحتاج فقط إلي إنسان يقدر قيمة الإنسانية وخبر معني أن نحيا ونعمر في الأرض حتي القدر المحتوم.
فهناك علي الجانب الأخر من الأرض تحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية, فرانك كابريو الملقب بقاضي الإنسانية, يصف متابعيه أسلوبه بأنه يذيب الحجر, وبقلبه الرحيم لن تكون هناك حروب في هذا العالم, ويتمني متابعي جلساته من كافة أرجاء العالم أن يعتلي منصة القضاء في بلادهم, بل ذهب بعضهم إلي ضرورة ترشحه لحكم بلادهم, فهو القاضي الذي لا يظلم عنده أحد.
صحيح هو قاض مخالفات المرور, لكن شعاره المعتمد, الرحمة والإنسانية فوق القانون. والسبب ببساطة أنه يتعامل مع القلوب ويتفهم الظروف التي أجبرت المتهمين علي تجاوز السرعة أو ارتكاب المخالفة, يتعامل مع الأطفال بحب بالغ, إن حضروا مع ذويهم المحاكمة, ويشركهم في اتخاذ القرار باعتبارهم قضاة, ويحثهم علي اتخاذ القرار الرحيم تقديرا لظروف كل حالة.
قال له أحدهم لقد غيرت حياتي, فقبل عشرون عاما كنت فتي سيئ, يأتي المحكمة شهريا لسداد مخالفات تجاوز السرعة لقيادتي ثملا. فتعاملت معي بكل الحب وقالت ماذا تريد أن تكون لاحقا؟ مسجونا أو ميتا أو شخصا مهما, وتم سحب رخصتي التجارية, لكني أصبحت فيما بعد سائق شاحنة محترم ورب أسرة مسئول, فقال القاضي كنت في وضع سيء لكنك تستحق الحياة, والإثم ان لا تنهض مجددا, فهناك شيء أحاول فعله مع الناس وهو مساعدتهم, أحاول إشعال شيء ما بداخلهم.
عرفات النجار في جزيرة غمام أو فرانك كابريو علي منصة قضائه. تعاملوا مع القلوب مع الإنسانية, حتي يصلوا إلي مرحلة أنا أحسن واحد في الدنيا, أنا أهم واحد في الدنيا. فهل هذا كثير؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى