بقلم !!!

الكاتب الصحفي ياسر حمدي يكتب: قمة القاهرة للسلام.. الرسالة وصلت و«المساعدات» دخلت

رسلت مصر بالأمس للعالم كله رسالة قوية وواضحة وصريحة وشديدة اللهجة، مفادها: «أن القاهرة لم ولن تتنازل عن حق الشعب الفلسطيني في الحفاظ والدفاع عن أرضه، ولن تقبل تحت أي ظرف من الظروف بتصفية القضية الفلسطينية، ولم ولن تسمح بتهجير إسرائيل للمواطنين في قطاع عزة ولا الضفة الغربية»، وذلك من خلال قمة القاهرة للسلام التي دعى لها الرئيس السيسي في الأسبوع الماضي، والتي وصفتها وسائل الإعلام العالمية بجلسة مصغرة للجمعية العامة للأمم المتحدة.

والسؤال الذي يحتاج لفهم وتوضيح: لماذا دعت مصر بريطانيا وفرنسا وألمانيا للقمة على الرغم من تأكيد موقفهم المساند والداعم لإسرائيل على حساب تصفية القضية الفلسطينية؟

والإجابة بوضوح: ما هي فائدة دعوة المساندين والداعمين للقضية الفلسطينية من العرب والمسلمين وغيرهم بدون وجود المعارضين لها والداعمين للصهاينة؟ فلابد من وجود الخصوم أيضًا في القمة، لأن عدم وجودهم مع خروج أي توافقات من باقي دول العالم سوف تكون هذه التوافقات والبيانات والرفض القاطع لوحشية وهمجية قوات الإحتلال تجاه المدنيين العزل من شعب فلسطين، وجميع التوصيات التي تخرج بها القمة من أجل السلام ستكون غير ملزمة لهم بالمرة بحجة عدم حضورهم لها.

هذه القمة أظهرت قوة مصر ومكانتها الخارجية، في الحشود الكبير والتمثيل العظيم لدول العالم، حيث رحبت بها كل الدول والمنظمات الدولية وكان لهم تمثيل واضح ومشرف بالقاهرة لحضورها، وظهر ذلك بالأمس في العاصمة الإدارية، وكان له صداه حول العالم، وتابعته كل وسائل الإعلام العربية والغربية والعالمية، وخطفت أنظار العالم كله من مؤيدين للقضية الفلسطينية وخصومها والداعمين للوبي الصهيوني، كما أكدت على قوة الدولة المصرية ومكانتها العالمية والإقليمية، وحجم تأثيرها في القضايا العربية والإقليمية والدولية.

جسدت كلمة الرئيس السيسي في القمة نبض الشعب المصري والعربي والأمة الإسلامية، ولخصت موقف الأمتين تجاه دولة الإحتلال الصهيوني، حتى أن وزيرة خارجية فرنسا أعربت بعد الجلسة عن صدمتها تجاه موقف مصر المتعاطف والداعم للشعب الفلسطيني في حقه في الدفاع عن أرضه المغتصبة ومقاومته للإحتلال، والملفت للنظر إعلانها إكتشاف عداء مصر لإسرائيل!! وموقف العرب الداعم لحل الدولتين والإعتراف بحق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وكأنها لم تتابع هذه القضية من قبل!.

بعد قمة القاهرة للسلام تساءل البعض عن موقف ألمانيا بالتحديد، وحجم التغير الجزري وقوة الدعم الغير متوقع لإسرائيل وإعلانها الواضح والصريح أنها مع دولة الإحتلال قلبًا وقالبًا.. والحقيقة يرجع ذلك الأمر لسببين هامين، أولهما أن الصهيونية العالمية هي المتحكمة في الإقتصاد العالمي وتقوم بالضغط على كافة الدول الكبرى بمساندة ودعم دولة الإحتلال وتأمرهم بذلك، وثانيهما وهو الأهم، قيام تل ابيب بتقديم إغراء للمستشار الألماني شولتس بتغيير إتفاقية لوكسمبورج.

ولمن لا يعلم عما تحتويه إتفاقية لوكسمبورج، فهي تلزم ألمانيا بدفع تعويضات لإسرائيل عما فعله هتلر بحرق النازية، ووصلت هذه التعويضات ل 3 مليار مارك دفعتهم للصهاينة خلال 10 سنوات، بالإضافة إلى دفع برلين معاشات شهرية لكل اليهود أبناء وأحفاد المتضررين من الهولوكوست، والذين بلغ عددهم اليوم 278000 ألف يهودي في العالم، وهذا يمثل عبء كبير جدًا وضغط عالي على الخزينة الألمانية، وبالتالي لو أُمِرَ شولتس بالدخول في الحرب على غزة لا يستطيع الرفض!!.

أما المستنكرين والمندهشين من موقف بريطانيا تجاه ما يحدث من مجازر جماعية وإبادة بشرية لقطاع غزة فأقول لهم: هل دار عليكم الزمن وتعافت ذاكرتكم ونسيتم أنها من أسست إسرائيل وأقامتها على هذه الأرض الفلسطينية العربية، حتى أن رئيس وزرائها الحالي سوناك صرح في تغريدة أنه لا يهمه قتل الأطفال الفلسطينيين، لأنهم محكوم عليهم بالموت كده كده في ظل وجود حماس، بينما أطفال إسرائيل ينتظرهم مستقبل مشرق في دولتهم، ثم قام بحذف تغريدته، وهذا تأكيد على الإزدواجية والكيل بمكيالين.

فرنسا وألمانيا وبريطانيا فضحتهم هذه القمة وكشفتهم أمام الضمير الإنساني العالمي أكثر من ذي قبل، وأكدت على موقف الرئيس السيسي الثابت والمعلن برفضه التام والقاطع لما تقوم به حكومة نتنياهو من مجازر وحشية وإبادة جماعية لسكان قطاع غزة، وكشفت نيتهم الخبيثة بعد ما قاموا به من ضغط خلال الجلسة لكي يخرج البيان الختامي متضمنًا توصية تساند إسرائيل في حقها في الدفاع عن نفسها، لكن قوة مصر ورئيسها جعلته يرفض هذه الجملة جملًة وتفصيلًا، ورفض أن يكون هناك مبرر لكل العنف والوحشية والإرهاب الذي حدث ومازال يحدث تجاه الشعب الفلسطيني، وإستطاع بقوة مكانته من حذفها.

على الجانب الأخر إستطاعت مصر من دخول المساعدات الإنسانية العالقة على معبر رفح الحدودي، والتي ظلت عالقة لمدة الأسبوع أو يزيد، وقامت قوات من الجيش المصري بحماية كافة المساعدات العالقة هناك، كما قام بعض الأفراد من الحكومة المصرية من إعادة هيكلة معبر رفح الفلسطيني تمهيدًا لدخول المساعدات بعدما قصفته قوات الإحتلال أكثر من مرة لصعوبة توصيل الشاحنات المحملة بمواد الإغاثة منه، اينعم ما سمح بدخوله هو عشرون شاحنة فقط، لكن البقية تأتي، وعموماً قوة مصر ومكانتها الخارجية وبدون مزايدة من أحد المساعدات سوف تدخل سواء بشكل رسمي أو غير رسمي.
قمة النجاح لهذه القمة العظيمة في ذلك الوقت هي نجاح مصر في إرسال رسالتها للعالم كله وإعلانها أمام الجميع رفضها التام لأعمال العنف والدمار والعقاب الجماعي الذي تقوم به إسرائيل تجاه الفلسطينيين، كما أكدت للجميع أن حكومة الإحتلال الصهيوني ليست وحدها من تبيد شعب غزة وسكان القطاع، وأن جيش المحتل مدعوم من هذه الدول التي رفضت أن توقف هذه الحرب وهذا الدمار وهذه الإبادة، وأعلنت أن مصر ملتزمة أمام العالم بعدم السماح بتصفية القضية الفلسطينية بالتهجير أو النزوح، وإستمرار مصر في الدفاع عن القضية الفلسطينية حتى حصول الشعب الفلسطيني على قيام دولتهم على حدود 1967 وعاصمتها القدس، وأن السيادة المصرية التامة على الأراضي المصرية والحفاظ على الأمن القومي المصري خط أحمر لا تهاون فيه ولا تراجع عنه.
ولكل المزايدين على مصر في القضية الفلسطينية، هذه كانت رسالة القاهرة للعام كله في قمة السلام وها هي قد وصلت، أما رسالتي أنا للعرب: أتركوا خلافاتكم جنبًا فهذا هو وقت القومية العربية والإتحاد، لا تزايدوا على بعض، وتوحدوا في كل شئ وتعاونوا على قضاء عدوكم، في وحدتكم قوة ومهابة تسمح لكم بحل القضية ووقف نزيف الدم العربي، ويا أيها المسلمون في بقاع الأرض غزة تناديكم والأقصى ينتظر صلاتكم فيه، وتطهيره من دنس اليهود، فقد حان الوقت لنصرة شعب أولى القبلتين وثالث الحرمين فإتحدوا وصدوا العدوان واغضبوا لدماء أطفالكم ونسائكم وهبوا لنصرتهم وحمايتهم، فقمة مصر خرج العالم منها منقسم بعد ما أظهرت له الحقيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى