فنون وثقافة

قرص الشمس”.. قصة قصيرة من مجموعة الحصان للكاتبة سميحة المناسنرلي

“قرص الشمس”.. قصة قصيرة من مجموعة الحصان للكاتبة سميحة المناسنرلي

هي.. جمالٌ بريءٌ أخاذ.. ساطعةٌ كقبضةٍ ساخنةٍ من الشمس.. تَخْطِفُ البصرَ بمجردِ محاولةِ استراقِ نظرةٍ من عينَيْها.. عندما حاولتُ أن ألمحَ لونَ عينَيها الأخاذتينِ، مررْتُ من بعيد.. يفصلُني عنها عدةُ أمتار، متعللًا بأن ما يجذبُني تجاهَها، هو جمالُ تلك الشجرةِ العملاقةِ بالخلف، التي تتراقُص جذورُها على الأرض، وكأنها تحيكُها بطينِها، تأكيداَ لرسوخَها، ظاهرةٍ على سطحِها حينا، غاطسةٍ في طياتِ الأرضِ حينًا آخر، بحريةٍ تامةٍ تمتدُ خلفَ “الدكةِ الخضراءِ” تحيطُ بها من كلِ جانب، تنبثقُ الأفرعُ من جذعِها المتينِ الضخم، المتفرعِ بجميعِ الاتجاهات، متحديةً السنينَ بكثافةِ أوراقِها المتدليةِ برقةٍ وانسيابيةٍ وغزارة، كشعرِ الأنثى المتدلِي كأمواجِ الشلالِ الهادر، فيَزِيدُها حسنًا وجمالًا، راسمًا لها لوحةً فنيةً تفوقُ الخيالَ رقةً وإبهارًا.. وكأنها انتقتْ هذا المكانَ لتجلسَ بملاذٍ عن البشر.. متدثرةً بدفِء الشمس، وإن كان سطوعُها في عيني أقوى، فشعرُها الأشقرُ الذهبيُّ يُكْمِلُ الصورة، كأنه ظلٌ حيٌ لشعاعِ الشمس، يحيطُ بها في هالةٍ من النور، تُشعِرُ من يراها أنها في حراسةِ “آتون” إلهِ الشمس، لا يسمحُ لأحدٍ بأن يرفعَ عينَيهِ كي يكتشفَها.. كآلهةٍ للبراءةِ والطبيعةِ، والجمالِ الربانيِّ.. مسموحٌ لها أن تسحرَ الألبابَ ولا تُسحر.. !!
تجلسُ غيرَ عابئةٍ بما يحيطُ بها.. لا تهتمُ بما يحدثُ في الكونِ حولَها.
يحيطُ بوجهِها نورٌ ربانيٌ، تُشعُّ من حولِهِ هالةٌ من الطبيعةِ، تعكسُ سكينةً وهدوءًا، يجذبُكَ لتقترب.. لكن حين ترفعُ ناظريكَ، تصبحُ مشدوهًا أمامَ عينِ فيروزيةٍ تتوه فيها، من شدةِ براءةِ الكون، وتتساءلُ في اندهاشٍ عمن يجرؤُ على اقتحامِ خُلوتِها، وبين يديها كتابٌ مسطور!! تنسحبُ أنتَ للخلفِ على استحياء، مغلفًا بشعورِ رجلٍ مخذول.. تتابعُ عودتَها لكتابِها بعيونٍ تسدلُ جفونًا كستائرَ من حريرٍ وقصبٍ مغزول.
عندها تفيقُ من عطرٍ رائعٍ فواح، يملأً كيانَك برائحةِ الزهور.. إن حاولتَ تتبعَه سيصلُكَ بباقةِ وردٍ بجانبِها، وكأنها قُطفتْ من جناتٍ وقصور، تتدلى منها عصاةٌ قصيرةٌ مزينةٌ بأحلى الألوان، ورسوماتُ الطيور.. !!
يا إلهي كم هي رائعةٌ.. هل أنا داخلَ حُلْمٍ؟ أم مازلتُ يقظًا أم أنا مسحور؟
إنها تقفُ أمامي الآن.. هل أسعى إليها، أم أكونَ دخيلًا، مغرورا؟! ما تلك التي بيدَها، أباقةُ الوردِ تتحولُ إلى عصاةٍ جميلةٍ مزينة ؟!!
ها هي فرصُة عمري بسقوطِ كتابِها.. !! .. قفزةٌ واحدةٌ مني أردَتْني مقهورًا تعسًا.. عندما أعطيتُها كتابَها سقط، وهوي على العشبِ.. هالني ما رأيت..!!
فكلما اقتربتُ يدُها تتحسسُ موضعَ الكتاب.. كانت تتخطاهُ مبتعدةً غيرَ متعمدة .. وأدركتْ أن معشوقتي.. كفيفة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى