المتشابهات .. منابع_المدامع بقلم د عمرو محمد زكى
ذات يوم وأنا أطالع موضوع الغدد الدمعية في مادة الرمد تذكرت أيام دراستي بالمدرسة لموضوع منابع نهر النيل في مادة الجغرافيا، وذكرت قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )، فقلت سبحان الله الخلاق العليم الذي ملأ الكون بالمتشابهات؛ فكيف أن منابع نهر النيل تشبه الغدد الدمعية التي هي منابع مدامع العين.
إننا إذا نظرنا إلى منابع نهر النيل وجدنا أنها نوعان، أما النوع الأول فهو منابع الحبشة الموسمية غير الدائمة والتي تمد نهر النيل بالماء في فصل الصيف فقط، ومع ذلك فهي مسئولة عن إمداد نهر النيل بنسبة كبيرة من الماء. وأما النوع الثاني فهو منبع دائم وهو بحيرة فيكتوريا التي تغذي نهر النيل بالماء طوال العام، وإليها يرجع الفضل في جريانه والحفاظ عليه من الجفاف، إلا أن هذا النوع لا يمد النيل إلا بنسبة بسيطة من الماء على الرغم من كونه دائمًا. وبذلك يكون النوع الأول موسميًا غير دائم يمد النيل بنسبة كبيرة والنوع الثاني دائمًا ويمده بنسبة بسيطة.
وإذا نظرنا إلى الغدد الدمعية في الإنسان وجدنا أيضًا أنها نوعان، أما النوع الأول فهو الغدة الدمعية الأساسية (main lacrimal gland )، وهي تعمل بشكل غير دائم مسئولة عن الإدماع المنعكس ( reflex tearing )، والذي يتم استجابة لمؤثر مثل البكاء، ويكون إفرازها أكثر غزارة، وإن أصيبت بخلل فقد الإنسان القدرة على هذا الإدماع. وأما النوع الثاني فهو الغدد الدمعية الإضافية ( accessory lacrimal glands )، وهي تعمل بشكل دائم، وهي مسئولة عن الإفراز الأساسي للدموع ( basic tearing )، ويكون إفرازها أقل غزارة لكنه يحفظ العين من الجفاف، وإن أصيبت بخلل أصيب الإنسان بمرض جفاف العين ( xerosis ). وبذلك يكون النوع الأول غير دائم لكنه غزير الإفراز ويكون النوع الثاني دائمًا قليل الإفراز.
وهكذا تكون منابع الحبشة الموسمية شبيهة بالغدة الدمعية الأساسية (main lacrimal gland ) وتكون بحيرة فيكتوريا شبيهة بالغدد الدمعية الإضافية ( accessory lacrimal glands ) فسبحان الذي جعل منابع الأنهار كمنابع المدامع