بقلم !!!

اشكاليات مفهوم الحوار في بلادنا .. بقلم الدكتور. فتحي الشرقاوي

إن إبداء الرأي بشأن القضايا العامة،التي تمس حياة الجماهير ومستقبلها، ليس حقا مشروعا لأي فرد ، وإنما لابد من توفر عدة شروط ومعاير موضوعية سواء في القائم بإدارة الحوار أو المشارك فيه،فمن غير المقبول ولا المعقول أن يساهم في إدارة الحوار،من لا يمتلك الحد الأدنى من مفاهيم ومسلمات موضوع الحوار، فإذا كنا نتصدى لموضوع مثل الإقتصاد القومي ،فلا يجب ان يدير الحوار أو يشترك فيه،تحت شعار حرية الحوار والمناقشة لأي شخص، من لا تتعدى معلوماته عن علم الإقتصاد مجرد معرفتة السطحية بأسم هذا العلم فقط، وإلا تحول الحوار إلى ديماجوجيه ممقوته، لا طال من ورائه سوى التشتت وعدم الوصول إلى النتيجة المرجوة وماينطبق على المثال السابق، يساير في اعتقادنا كل الفروع العلمية الاخرى في شتى مجالات حياتنا، يتضح لنا اذاَ أن أول معايير الحوار البناء أن يكون المشارك فيه شديد التخصص النوعي (الدقة العلمية /المنهجية) وإذا أخذنا ذلك المعيار ووضعناه تحت مجهر التحليل لوجدنا في معظم حواراتنا أناس لا يمتون بصله تخصصية في موضوع الحوار، وكل مالديهم بعض المعلومات الثقافية العامة عنه
( قشور سطحية ) ولكن نظرا لبروزهم الاعلامي ،يتصدون بكل أريحية لابداء ارائهم وتوجهاتهم، وكأنها صادرة من أهل التخصص الدقيق، و من ثم تكون النتيجة المزيد من التخبط والعشوائية، أما عن المعيار الثاني فيتجلى في المصداقية التي ترافق من يدلي بدلوه في الحوار أو يشارك فيه،فمن غير المقبول ولا المعقول يدير الحوار أو يشارك في فاعلياته اشخاص يشير تاريخهم الطويل إلى فشلهم الذريع في إدارة ملفات موضوع الحوار
،خاصة إذا كانوا في يوم ما من كتيبة التكنوقراط السلطوية اصحاب صناعة القرارات وطبخها، حيث يظهر السؤال…لماذا لم تنفذوا ماتدعون اليه وتطرحونه من افكار وتوجهات إبان توسدكم لكرسي القيادة، هنا نصطدم بالازدواجية في أعمق صورها، ومن ثم تدني مستوى المصداقية فيما يتحدثون بشأنه من موضوعات، والشك فيما يقدمونه من افكار ومقترحات ، اما عن المعيار الثالث في ديناميات الحوار، هو مدى احساس وشعور الشخص المحاور بأن هناك جهات ستتولى تنفيذ وتحقيق ما يطرحة من أراء في حال الإعتراف بأهميتها ومشروعيتها العلمية والعملية معا، اما إذا تسلل اليه الإحساس بأن الحوار مجرد مبارزة لفظية وشو اعلامي ولن يعقبها خطوات اجرائية، هنا تتضاءل دافعيتة للحوار وتتناقص افكارة المبدعة،وكأن لسان حاله يقول( هتعب نفسي ليه في الكلام،إذا كان اللي عاوزينه هيكون) ولو حللنا هذا المعيار الأخير لوجدنا افضل تجسيد له ،ما تجود به عقولنا في مؤتمراتنا العلمية ،التي لا يعلم المسؤل في الغالب عنها شيء، سوى إنها أصبحت كتيب للمؤتمر مُلقى على رفوف المكتبات كشاهد على مدى الانفصام الرهيب بين العلم وتطبيقاته على ارض الواقع ،أو يتم اختزال الاحتفالية العلمية في مجرد صورة تذكارية ( السلطنية،التاج) يفرح بها الأحفاد والأبناء وتشبع لدينا نهم نرجسيتنا بأننا علماء وباحثين ومتخصصين، اما عن المعيار الرابع والأخير في ديناميات الحوار يتمثل في مدى قدرة المحاور على استيعاب الرأي والرأي المغاير، والبدء بالحوار من خلال احكامه المسبقة سابقة التجهيز والإعداد ،و التي عادة مايحملها الشخص المحاور في جعبته قبل مجيئه لجلسة او ندوة الحوار ، حيث يعتبر كل من يخالفه الراي،إنما ينتقد شخصيتة وذاته ويقلل من شأنه ويسخف افكاره، ومن ثم يتحول الحوار إلى معارك هولامية لإثبات الذوات وتأكيدالايدولوجيات بدلا من الوصول لأراء تجمع في طياتها توجهات الجميع معا…
تلك مجرد بعض الارهاصات القابلة للمناقشه ،إذا كان لدينا بالفعل الحد الأدنى من الموضوعية والرغبة في التطوير والتحديث الاجرائي، وليس مجرد التشدق والعنتريات…سننتظر جميعا ما آلت اليه الحوارات الدائرة وما ستصل اليه التطبيقات الاجرائية اللاحقة…إن كان في العمر بقية أو نصيب..

دكتور. فتحي الشرقاوي
نائب رئيس جامعة عين شمس الأسبق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى