بقلم !!!

التعليم المصري.. إلى أين؟! بقلم سيد مصطفى 

 

بقلم سيد مصطفى 

حال التعليم المصرى الفترة الأخيرة لا يخفى على أحد، وكل عام يتراجع عن سابقه، ولاحظنا ذلك في امتحانات الثانوية العامة، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، والتي اعتمدت على الاختيار من متعدد، فكثر الغش، وتراجع المتفوقون أمام البلداء، الذين تربعوا على العرش، فبدلا من البحث على الموهوبين والمتميزين، بدأنا إعطاء الفرصة للذين سيضيعون تاريخ مصر الثقافى والفكرى والتعليمى.

حدث حوار طويل بينى وبين خبير مادة التاريخ؛ الأستاذ فتحى راشد، عن تاريخ مصر التعليمى، الذي جعلنى أرجع لسنوات قليلة، وأنا أرى اسم مصر عاليًا في الجوائز العالمية؛ من نوبل نجيب محفوظ في الأدب، للرئيس الراحل أنور السادات في السلام، وصولا إلى زويل في الكيمياء، وجوائز مصطفى السيد في العلوم، ومجدى يعقوب في الطب، وذلك على سبيل المثال، لأن علماء مصر في العالم مئات الآلاف، وليس العشرات، وجميعهم تخرجوا في التعليم المصرى، الذي أطلقوا عليه الحفظ والتلقين، ليأتوا بنظام يخرج مصر من منصات التتويج العلمية في العالم، نظام يقضى على القراءة والكتابة، يقضى على الاجتهاد وبذل المجهود للوصول إلى المعلومة، ويخرج طالبًا فهلويًا لسوق العمل. 

فمن المعلوم للقاصي والداني أن التعليم هو قاطرة المجتمع نحو التقدم والازدهار، ولأن جميع الدول أيقنت بذلك، رأينا دولا لم تكن يوماً على خريطة التعليم، رأيناها تتبوأ مكانة كبرى، وتتقدم ترتيب الدول في مجال التعليم، ومنها دول لم تعرف التعليم إلا بعقول مصرية، لكنها أخذت بالأسباب، وطبقت تجارب ناجحة لا ترتبط بالأشخاص، لكنها تجارب للوطن والشعب، لا تعرف أسماء، ولا أشخاصًا، إنما تعرف الانتماء لبلدها، وقد أفقنا على واقع أليم، يضع مصر في ذيل الترتيب العالمى.

وبعد أن كانت مصدر إلهام تعليمى إقليمى وقارى وعالمى، سبقتها كل دول إفريقيا في الترتيب العالمى في جودة التعليم، وما زلنا على نفس الوتيرة، يأتى الوزير بخطته للتطوير، ويظل عدة سنوات، ثم تلغى تماماً على يد خلفه، لتحل خطة غيرها، ليصبح التعليم المصري، الذي أنجب رموزاً نتباهى بها بين الأمم، حقلاً للتجارب اللانهائية، والنتيجة الحتمية هي التقدم المستمر للخلف، وبوتيرة متسارعة.

فمن كان يصدق أن يأتى يوم تحل المراكز التعليمية محل المدرسة، ويكون التنافس بينها وبين المنصات، وتكتفى الدولة بدور المتفرج غير المهتم، وتترك الطالب والمواطن فريسة سهلة بين فكى السنتر والمنصة، أو المدرس الخصوصي، وهنا سؤال واجب لماذا تغمض الوزارة عينيها على ما يحدث؟ 

الوزارة تغمض عينيها على العجز الشديد في هيئات التدريس، حتى لا تقوم بتعيين مئات الآلاف من المعلمين لسد العجز، تغمض عينيها حتى يبقى مرتب المعلم في أدنى المراتب، وتقول إن دخله كبير من الدروس الخصوصية، رغم أنها تعلم أن كل الأباطرة لا يعملون في التعليم، وامتهنوا مهنة أساءت لكل المعلمين الشرفاء، تغمض عينيها حتى لا تقوم ببناء مدارس للقضاء على الفترات والكثافات، لذا تغمض عينيها عن تطبيق القانون في مواجهة الدروس الخصوصية، حولت تدريبات المعلمين إلى تدريبات لا تثمن ولا تغنى من جوع، وجعلته يجهل ما تقدمه من عمليات تقويم جديدة قائمة على مناهج قديمة. 

وقبل أن أختم كلماتي، يجب أن أؤكد على ما أقول بنتائج الثانوية العامة آخر ثلاث سنوات، والتي كانت يوماً تخرج متفوقين، تتزين بهم الجامعات، ونوابغ في كل المجالات، ثم جاء التطوير بإلغاء الكتابة والتحصيل، تحت مسمى خاطئ وفزاعة رهيبة، هي البعد عن الحفظ والتلقين، والكل حفظ نفس الكلمة، ويرددها دون تفكير، وإرضاء للجمهور يتم إلغاء الكتابة، ويقتصر دور الطالب على مجرد الاختيار من متعدد، بعد أن يتحول الامتحان لفوازير وألغاز وضربات حظ، ومحظوظة عائلات بأكملها في كلية الطب، وفرق راسبة في أولى طب، وهم متفوقو العام السابق، وضحك كالبكاء، ليصبح التعليم سوقًا لا تقل عن سوق الممنوعات في ضراوتها، وعالمًا خفيًا، ويصبح الناتج لا يليق باسم وتاريخ التعليم المصري، الذي ركب المنحدر، ويسير بسرعة مرعبة، من سيئ إلى أسوأ، وأصبح التعليم الموازى هو الأساس، والحكومى مجرد ظل باهت، وذكرى لا يعرفها أحد.

لدرجة أننا أصبحنا نرى صور الأوائل مع أصحاب السناتر والمدرس الخصوصي، والاعتزاز بتلك الحالة التي لا يجرؤ معها أي مدير مدرسة أن يدعى أي فضل أو صلة لمدرسته أو مدرسيه، تربطه بالمتفوقين، وهو اعتراف رسمي ومجتمعى بأن التعليم الرسمى النظامي أصبح باهتا لا يرى، واضعين رءوسهم في الرمال.

journalist20663@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى