لجان الغش كلاكيت ثالث مرة: هل تنتهي ظاهرة الثانوية العامة السلبية؟ بقلم سيد مصطفى
"لجان الغش: كابوس الثانوية العامة يعود مجددًا"

لجان الغش كلاكيت ثالث مرة: هل تنتهي ظاهرة الثانوية العامة السلبية؟
في كل عام، تتجدد آمال الطلاب وأولياء الأمور مع انطلاق امتحانات الثانوية العامة، تلك المرحلة التي تُعد بمثابة بوابة المستقبل لملايين الشباب في مصر. ما يميز هذه المرحلة هو العدالة التي تتيحها من خلال امتحان مركزي موحد يضع الجميع على خط واحد، بغض النظر عن الخلفية أو المكان. لكن، وسط هذا المشهد العادل، تبرز ظاهرة سوداء تلاحق الثانوية العامة كالظل: الغش بكل أشكاله. من الغش الفردي إلى الجماعي، وصولاً إلى الغش الإلكتروني الذي أصبح نجم الموسم مع تطور التكنولوجيا، يبقى السؤال: متى تضرب الوزارة بيد من حديد لتقتلع هذا الوباء من جذوره؟
الغش: تاريخ قديم ووسائل متجددة
ليس الغش وليد اليوم، بل هو قصة قديمة تطورت مع الزمن. في الماضي، كان الطلاب يعتمدون على أساليب بدائية مثل الغش من أسطح المنازل أو أشجار النخيل بمكبرات الصوت، أو حتى “البرشامة” التي كانت تُخبأ بين أوراق الامتحان. لكن مع دخول التكنولوجيا الحديثة، تحول الغش إلى مشهد أكثر تعقيدًا. صفحات التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة لتسريب الأسئلة قبل الامتحان، أو نشرها أثناء الاختبار عبر الهواتف والميكروفونات اللاسلكية. هذه الأساليب لم تعد مجرد خدع صغيرة، بل عمليات منظمة تهدد مصداقية الامتحان وتضرب العدالة في مقتل.
المشكلة ليست في وجود الغش بحد ذاته، فهو تحدٍ يواجه أنظمة التعليم في كل العالم، لكن الخطر يكمن في استمراره دون حلول جذرية. لجان الغش الجماعي، تلك البؤر المعروفة للجميع – من الوزارة إلى الإعلام – تظل قائمة عامًا بعد عام، كأنها تحدٍ صارخ لكل من يدعي محاربة هذه الظاهرة. فما الذي يمنع اتخاذ قرارات حاسمة؟
لجان الغش الجماعي: السر المكشوف الذي لا يُغلق
لجان الغش الجماعي ليست لغزًا محيرًا. أماكنها معروفة، وأسماؤها تتردد على ألسنة الطلاب وأولياء الأمور في المحافظات المختلفة. هذه اللجان تحولت إلى وجهة مفضلة للطلاب الذين يبحثون عن درجات كبيرة دون جهد حقيقي، سواء كانوا فاشلين في دراستهم أو طامحين لكليات القمة دون مؤهلات فعلية. والمثير للسخرية أن الوزارة اتخذت قرارًا بمنع التحويل إلى هذه اللجان من محافظات أخرى، لكن هذا القرار لم يغير الواقع على الأرض. اللجان ما زالت تعمل، والطلاب يتدفقون عليها، والنتائج تظهر بوضوح في الصف الأول الجامعي حيث يفشل الكثيرون في مواكبة الدراسة.
“الضرب بيد من حديد” ليس مجرد تعبير، بل ضرورة ملحة. لماذا لا تُلغى هذه اللجان نهائيًا؟ لماذا لا تُنقل الامتحانات إلى أماكن أخرى نظيفة؟ الإجابة غامضة، والحل يكمن في قرارات جريئة تبدأ بإغلاق أي لجنة تُثبت فيها حالات غش جماعي، مع الإعلان عن ذلك علنًا ليكون درسًا للجميع. تخيل أن تسمع في الأخبار: “تم إغلاق لجنة الغش في مدرسة كذا نهائيًا”، ألن يكون ذلك رادعًا يهز أركان هذه الظاهرة؟
اختبارات القدرات: الحل الأمثل لكليات القمة
المشكلة لا تنتهي عند الغش في الثانوية العامة، بل تمتد إلى الجامعات، خاصة كليات مثل الطب والهندسة التي يتوقف عليها أرواح ومستقبل المواطنين. كيف يمكن أن نعهد بصحتنا إلى طبيب حصل على مقعده بالغش؟ أو أن نعتمد على مهندس لا يملك المؤهلات الحقيقية لبناء جسورنا؟ الحل هنا يكمن في اختبارات القدرات التي يجب أن يضعها المجلس الأعلى للجامعات.
هذه الاختبارات يجب أن تكون قوية، دقيقة، وعلمية، بعيدة عن نظام “الاختيار من متعدد” الذي يعتمد على الحظ أحيانًا. ينبغي أن تكون أسئلة مركبة تُظهر القدرات الحقيقية للطالب، مع تجديدها كل عام لمنع التسريب. ولمزيد من النزاهة، يجب استبعاد أي أستاذ جامعي لديه ابن في الثانوية العامة من المشاركة في وضع هذه الاختبارات. بهذا الشكل، لن يكون المجموع هو المحدد الوحيد للالتحاق بكليات القمة، بل القدرة الفعلية، مما يقلل من التكالب على الغش للحصول على درجات خيالية.
أسئلة متعددة النماذج: ضربة قاضية للغش الجماعي
داخل اللجان، يمكن للوزارة أن تضع حدًا للغش الجماعي بفكرة بسيطة وفعالة: استخدام أكثر من نموذج للأسئلة في نفس اللجنة، أو ما يُعرف بـ”الكتشنة”. كل طالب يحصل على ورقة مختلفة قليلاً عن زميله، مما يجعل الغش بين الطلاب مضيعة للوقت. تخيل طالبًا يحاول نسخ إجابة من جاره، ليكتشف أن السؤال مختلف تمامًا! هذا النظام، مع ربط كل نموذج برقم جلوس الطالب، سيجعل كل فرد يركز في ورقته بدلاً من البحث عن مساعدة خارجية.
لكن التنفيذ يحتاج إلى دقة. يجب أن تكون هناك ضمانات لعدم تداخل النماذج، وتدريب أجهزة التصحيح على التعامل مع هذا النظام لتجنب الأخطاء التي حدثت في السنوات الماضية. إذا نجحت هذه الخطوة، ستكون بمثابة ضربة قاضية للغش الجماعي داخل اللجان.
الأسئلة المقالية: كابوس الغشاشين
من أقوى الأسلحة ضد الغش هو زيادة نسبة الأسئلة المقالية في الامتحانات. عكس “الاختيار من متعدد” الذي يمكن تخمينه أو نسخه بسهولة، تتطلب الأسئلة المقالية فهمًا وتعبيرًا شخصيًا، مما يجعل الغش الجماعي صعبًا وسريع الاكتشاف إذا تشابهت الإجابات. تخيل ورقتين متطابقتين في التعبير والأسلوب، ألن يكون ذلك دليلاً واضحًا على الغش؟ هذا التغيير قد يقلل من الاعتماد على الحظ، ويضع الطالب أمام تحدٍ حقيقي يقيس قدراته.
عقوبات رادعة: من الحرمان إلى النيابة
العقوبات الحالية للغش تبدو كضحكة في وجه الظاهرة. الحرمان لخمس سنوات من مراقبة الامتحانات ليس كافيًا لردع رؤساء اللجان أو المراقبين المتورطين في الغش الجماعي. يجب أن تتحول هذه القضايا إلى النيابة العامة مباشرة، مع فرض غرامات وعقوبات مشددة. في المقابل، ينبغي حماية المراقبين الملتزمين من بطش الطلاب وأولياء الأمور، بعقوبات رادعة لمن يحاول الاعتداء عليهم أو تهديدهم.
تخيل مراقبًا يشعر بالأمان وهو يمنع الغش، لأنه يعلم أن القانون يحميه. هذا التوازن بين العقاب والحماية قد يكون مفتاحًا لتطهير اللجان من الفوضى.
لجان مريبة: المراجعة والإغلاق
عندما تحصل لجنة على نسبة 80% من الطلاب بدرجات تتجاوز 90%، أليس ذلك مدعاة للشك؟ يجب مراجعة أوراق هذه اللجان بدقة للتأكد من عدم وجود غش جماعي، مع الإعلان عن النتائج للشفافية. وإذا ثبت الغش، يجب إغلاق اللجنة في العام التالي دون تردد. هذه الخطوة ستكون رسالة واضحة: “لا مكان للغش في نظامنا التعليمي”.
لماذا لا تُنفذ الحلول؟
المسؤولون يعرفون هذه الحلول جيدًا، لكنها تبقى حبرًا على ورق. لماذا؟ هل هناك مصالح خفية؟ أم أن الخوف من ردود الفعل يعطل القرارات؟ الأسباب غامضة، لكن النتيجة واضحة: استمرار الغش يهدد مستقبل التعليم في مصر. الحلول موجودة، والتنفيذ ممكن، لكن الإرادة هي ما نحتاجه الآن.
ختامًا: مستقبل يستحق القتال من أجله
الثانوية العامة ليست مجرد امتحان، بل حلم يحمل آمال ملايين الأسر. الغش يسرق هذا الحلم، ويضع غير المؤهلين في مراكز لا يستحقونها. بقرارات جريئة مثل إغلاق اللجان الفاسدة، وتفعيل اختبارات القدرات،